
فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه -من جهة العبادة والتوحيد- بين افتقارهم، من جهة الملك والتربية والتدبير فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خالقهما ورازقهما، والمتصرف فيهما، في حكمه الشرعي [والقدري] في هذه الدار، وفي حكمه الجزائي، بدار القرار، بدليل قوله: وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أي: مرجع الخلق ومآلهم، ليجازيهم بأعمالهم.
لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه.
الرئيسة معلومات وخدمات عن دولة الإمارات شاركنا الإعلام اسألنا تجريبي
والذين يرمون بالفاحشة العفائف من النساء، (والأعفّاء من الرجال مثلهن)، ثم لم يأتوا بأربعة شهود على ما رموهم به من الفاحشة فاجلدوهم -أيها الحكام - ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك الذين يرمون العفائف هم الخارجون عن طاعة الله.
ومفهوم الآية الكريمة، أن العبد إذا لم يطلب الكتابة، لا يؤمر سيده أن يبتدئ بكتابته، وأنه إذا لم يعلم منه خيرا، بأن علم منه عكسه، إما أنه يعلم أنه لا كسب له، فيكون بسبب ذلك كلا على الناس، ضائعا، وإما أن يخاف إذا أعتق، وصار في حرية نفسه، أن يتمكن من الفساد، فهذا لا يؤمر بكتابته، بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور.
«ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاعٌ» أي منفعة «لكم» باستكنان وغيره كبيوت الربط والخانات المسبلة «والله يعلم ما تبدون» تظهرون «وما تكتمون» تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره، وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم يسلمون على أنفسهم.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه.
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
والمثل الثاني، لبطلان أعمال الكفار كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ بعيد قعره، طويل مداه يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ظلمة البحر اللجي، ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة، ثم فوق ذلك، ظلمة السحب المدلهمة، ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم، فاشتدت الظلمة جدا، بحيث أن الكائن في تلك الحال إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا مع قربها إليه، فكيف بغيرها، كذلك الكفار، تراكمت على قلوبهم الظلمات، ظلمة الطبيعة، التي لا خير فيها، وفوقها ظلمة الكفر، وفوق ذلك، ظلمة الجهل، وفوق ذلك، ظلمة الأعمال الصادرة عما ذكر، فبقوا في الظلمة متحيرين، وفي غمرتهم يعمهون، وعن الصراط المستقيم مدبرين، وفي طرق الغي والضلال يترددون، وهذا لأن الله تعالى خذلهم، فلم يعطهم من نوره، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ لأن نفسه ظالمة جاهلة، فليس فيها من الخير والنور، إلا ما أعطاها مولاها، ومنحها ربها.
يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما انقر على الرابط ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده.
إن الذين جاؤوا بالبُهْتَان (وهو رمي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة) جماعة تنتسب إليكم - أيها المؤمنون - لا تظنوا أن ما افتروه شر لكم، بل هو خير لما فيه من الثواب والتمحيص للمؤمنين، ولما يصحبه من تبرئة أم المؤمنين، لكل واحد شارك في رميها بالفاحشة جزاء ما اكتسبه من الإثم لتكلّمه بالإفك، والذي تحمّل معظم ذلك ببدئه به له عذاب عظيم، والمقصود به رأس المنافقين عبد الله بن أُبيٍّ ابن سَلُول.
في ذلك اليوم يوفّيهم الله جزاءهم بعدل، ويعلمون أن الله سبحانه هو الحق، فكل ما يصدر عنه من خبر أو وعد أو وعيد حق واضح لا مرية فيه.
أي: هذه سُورَةٌ ْ عظيمة القدر أَنْزَلْنَاهَا ْ رحمة منا بالعباد، وحفظناها من كل شيطان وَفَرَضْنَاهَا ْ أي: قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود والشهادات وغيرها، وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ْ أي: أحكاما جليلة، وأوامر وزواجر، وحكما عظيمة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ْ حين نبين لكم، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.
وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ اضغط هنا ْ في يوم القيامة فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ْ يخبرهم بجميع أعمالهم، دقيقها وجليلها، إخبارا مطابقا لما وقع منهم، ويستشهد عليهم أعضاءهم، فلا يعدمون منه فضلا أو عدلا.